الخميس، 25 ديسمبر 2008

خطبة الجمعة لسماحة السيد احمد الشيرازي في مسجد الإمام الشيرازي ببنيد القار ـ دولة الكويت

سماحة السيد أحمد الشيرازي
بسمه تعالى
خطبة الجمعة بتاريخ 19 / 7 / 2002 لسماحة السيد احمد الشيرازي في مسجد الإمام الشيرازي ببنيد القار ـ دولة الكويت

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: (وآت ذا القربى حقه)[سورة الإسراء: الآية 26].
نجدد ذكرى استشهاد أعظم امرأة خلقها الله عز وجل الصديقة الكبرى البتول الحوراء سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام).
تجدد ذكرى استشهادها ذكريات أليمة جداً، أولها ذكريات تلك المصائب التي مرت عليها، إننا ربما اعتدنا شيئاً على الاستماع إلى مصائب الزهراء (عليها السلام)، ولكن لو تأملنا قليلاً لوجدنا أنها كانت فاجعة بما للكلمة من معنى، ولرأينا أنها تشكل مصيبة لم يجد التاريخ مثيلاً لها، أهل بيت أطهر إنسان يصابون بأعظم مصيبة وهي مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبدل أن يأتوا إليهم ويعزوهم يأتون بالحطب والنار على باب دارهم!!
لو كان يصنع هذا الصنيع بإنسان عادي جداً، لكان الناس يرون ذلك فاجعة، أن يؤتى إلى أهل الفقيد وبدل أن يعزوه يأتون ويضرمون النار بباب دارهم، ثم يدفعون الباب ويدخلون إلى الدار، ثم يضربون الأم أمام أعين الأطفال، حتى يبقى هذا المشهد في خواطرهم إلى آخر أيام حياتهم، فالإمام الحسن (عليه السلام) بعدما يقارب من ثلاثين عاماً عندما ينظر إلى المغيرة بن شعبة ينكسر قلبه ويقول: (أنت الذي ضربت أمنا فاطمة حتى أدميتها).
هذه الفاجعة الاستثنائية، ذكرى استشهاد الزهراء تذكرنا بهذه الفجائع، كما أنها تجدد لنا ذكريات أليمة أخرى، تجدد لنا ذكرى غصب الخلافة، تلك الفاجعة التي لم تحل بالمسلمين فحسب وإنما حلت بالبشر بصورة عامة، وآثار غصب الخلافة نراها جليةً في حياة البشر. حيث أن انعكاسات تلك الفاجعة لا زالت باقية وستبقى.
كما أن ذكرى استشهاد السيدة الطاهرة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) تذكرنا بفاجعة أخرى أيضاً، تذكرنا بغصب (فدك)، هذه الفاجعة التي كانت هي الأساس في غصب الأموال ومصادرة الحقوق على مدى التاريخ، وحديثنا في هذا اليوم عن بعض جوانب حادثة غصب فدك، لا نتصور أنها كانت فاجعة وانتهت، كلا!! إنها كانت فاجعة ولا زالت ولها أثر عظيم جداً في هداية الناس، المئات بل الآلاف منهم اهتدوا على مر التاريخ إلى الصراط المستقيم عندما تعرفوا على جوانب هذه الفاجعة، ولو تأملنا قليلاً لرأينا آثارها في الجانب الإيجابي وفي الجانب السلبي جلياً، أنا لا أريد أن أتحدث عن أهمية هذه الفاجعة وتأثيرها سلباً وإيجاباً على حياتنا، وأنه كيف حلت بنا المآسي والمصائب على إثر تناسي هذه الفاجعة، ولا أريد أن أتحدث في هذه الفاجعة عن الظالم وظالميته، وعن المظلوم ومظلوميته وعن كيفية هداية الناس إلى الصراط المستقيم بسبب هذه الفاجعة.
ربما نتطرق لهذه المباحث في مجالات أخرى، إنما أريد أن أشير إلى جوانب ثلاث لهذه الفاجعة:
أولاً: لماذا طالبت سيدة النساء بفدك؟.
ثانياً: لماذا لم يطالب أمير المؤمنين (عليه السلام) بحق سيدة النساء في فدك؟.
ثالثاً: ما هو موقف الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) من فدك؟.
بالنسبة للجانب الأول: لماذا طالبت سيدة النساء بفدك؟
فلاشك أن فدك كانت مصدراً مالياً عظيماً في ذلك الزمان، فأرباحها كانت تزيد على سبعين ألف دينار سنوياً، وهذا رقم عظيم جداً في ذلك الزمان. ولكن مهما كان الثمن عظيماً إلا أن الزهراء أعظم وأعظم وأعظم من أن تطالب بشيء مادي لماديته، فهي ممن لا تساوي الدنيا عندها بمقدار عفطة عنز، فلماذا طالبت بكل جهودها، هل كانت مطالبتها بفدك من منطلق مادي؟! من منطلق تلك الأرباح التي كانت تدر عليها؟!!.
الجواب كلا وألف كلا، الزهراء (سلام الله عليها) كانت في يدها فدك وكانت تبقى ثلاثة أيام جائعة!، الزهراء لا تسوى عندها فدك وغير فدك شيئاً.. وأهل البيت كلهم هكذا، فلماذا هذا الإلحاح والإصرار بالطلب؟!!.
الجواب أن هناك جوانب عديدة في جانب المطالبة بفدك، ونورد بعضاً منها:
أولاً إن المطالبة بالحق مهما كان ذلك الحق صغيراً فإنه جيد، بل يصبح في بعض الأحيان ضرورياً، عندما تتجه جهة وتبدأ بمصادرة حقوق الناس، بغصب أموال الناس، هذه الجهة إن لم تصد وإن لم تمنع من هذه المسيرة الخطيرة فإنها ستستمر في ذلك، وتستمر بقوة وبسرعة، في المصادرات في الغصب، فإن سارق البيضة الصغيرة إن لم يمنع سيكون سارقاً لجمال ونياق، فيلزم أن يصد أمام المنحرف خصوصاً أن الانحراف بدأ بخطوة عظيمة جداً، حيث بدأ بمصادرة حق سيدة النساء (عليها السلام) والذي يصادر حق أطهر امرأة خلقها الله عز وجل فإنه لا يتوانى عن مصادرة أي حق، فيلزم هنا أن يصد أمام هذه الطريقة، وإلا فإنه سيسترسل، والزهراء (عليها السلام) قصدت ربما هذه النتيجة، أن تصد أمام هؤلاء من الاسترسال في انتهاك أحكام الله عز وجل، وفي انتهاك حق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا أولاً.
وثانياً موضوع فدك ليس هو المطلوب بذاته وإنما كانت فدك معبراً وطريقاً إلى الخلافة، المطالبة بفدك مقدمة للمطالبة بالخلافة الشرعية، لأن الخليفة الشرعي وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد اعترف بذلك بعض علماء العامة أيضاً، فراجعوا كتاب شرح النهج لأبي الحديد المعتزلي.
إن فدك كانت مقدمة للخلافة، فالمطالبة بفدك تنتهي بالمطالبة بالخلافة، هذا ثانياً.
ثالثاً لصد هجمة الأعداء أمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، لاحظوا عندما يغتصب جماعة لخلافة، فأول ما تتوجه أنظارهم فإنها تتوجه نحو صاحب الحق الشرعي لها، وإذا كانت تلك الجهة الغاصبة مصرة على إبقاء ذلك الغصب، على الاستمرار في ذلك الغصب، فإنها توجه جميع سهامها أولاً إلى صاحب الحق الشرعي، وهؤلاء كانوا قد اغتصبوا الخلافة، وصاحب الحق الشرعي وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) بين أيديهم، فوجود أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يشكل خطراً على كيانهم، ورؤية الناس لأمير المؤمنين كانت تذكر الناس بتلك البيعة العظيمة، كانت تهز عروش أولئك، ولذلك بطبيعة حالهم كانوا أول ما يقصدونه هو أمير المؤمنين، وبالطبع قصدوه إلى داره، ولا شك أنهم كانوا يجبرون أمير المؤمنين على إحداث شيء ما، فإما أن يخضع لهم خضوعاً تاماً، وهذا كان يشكل فاجعة ما أعظمها من فاجعة لو خضع أمير المؤمنين فذلك يعني انتهاء الإسلام، أو يقتلونه وهذا أيضاً كان يشكل فاجعة عظيمة ما أفجعها من فاجعة، فلا شك أنه لو قتل لم نكن نسمع اسم الإسلام حالياً، فوجود أمير المؤمنين كان أهم شيء في ذلك الزمان، والزهراء (عليها السلام) بهذه المواقف العظيمة تصدت أمامهم ووقت أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفسها، تصدت للسهام، ألقت نفسها في المصائب لكي لا يتوجه أولئك إلى أمير المؤمنين ولا يوجهون سهامهم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولذلك الزهراء (عليها السلام) تأتي خلف الباب وتستقبل بنفسها كل الآلام، المسمار.. العصرة.. تلك الضربات التي بقي آثارها حتى بعد استشهادها، ففاطمة حينما ماتت وعلى عضدها كمثل الدملج.
لقد استقبلت كل هذه الآلام لكي تبعد أمير المؤمنين عن أنظارهم ثم ذهبت إلى المسجد وخطبت وهزت برؤوسهم ثم خطبت بين نساء المدينة، ثم بكت وبكت، ثم قاطعتهم مقاطعة كاملة، وصنعت ما صنعت لكي تتحمل هي بنفسها تلك السهام، وتلك المصائب ويبقى أمير المؤمنين (عليه السلام) حياً سالماً من هذه المصائب، ونجحت في ذلك أكبر نجاح، ولولا مواقفها العظيمة لقتلوا أمير المؤمنين قطعاً، كما صرحوا بذلك، وصرح كبيرهم بذلك (يا علي إما أن تبايع أو تقتل).
الزهراء (سلام الله عليها) بمطالبتها بفدك نفذت خطة إلهية رسمها الله عز وجل لها وبينها رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما وردت في الأحاديث، ونجحت في إبعاد أمير المؤمنين عن السهام، فهي تحملت المشاكل والمصائب ليبقى أمير المؤمنين حياً، وليتمكن من استمرار مسيرة الإسلام، هذا ثالثاً.
رابعاً: عامل العاطفة عامل هام جداً في هداية الناس، لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع فهذا موضوع مستقل بحد ذاته، ولكن تحريك عواطف الناس تقربهم من الهداية بصورة سريعة جداً، تقربهم من الهداية إلى الصراط المستقيم، وقد استخدمت الزهراء (عليها السلام) هذا العامل في مطالبتها بفدك، إعلان المظلومية.. فهذا الأمر يجلب الناس ويجلب مشاعرهم إلى المظلوم، فالإنسان بطبيعته يدافع عن المظلوم، يحب المظلوم، فعندما يتوجه إلى المظلوم وحينما يتوجه إلى أمير المؤمنين سيد المظلومين فإنه يتمكن أن يهتدي بكل السبل، وقد قصدت الزهراء توجيه أنظار الأجيال إلى أمير المؤمنين ومظلوميته، هذا رابعاً.
وخامساً كانت الزهراء (عليها السلام) تقصد من وراء مطالبتها بفدك أن تعرّي تلك القوة الحاكمة في ذلك الوقت من الشرعية لأنهم كانوا يدعون أنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالزهراء تريد أن تعريهم تفرغهم من الشرعية المزعومة، وهذا من أهم الدواعي والأسباب التي كانت تعمل من أجله، فعندما كانت تطالب بفدك كانت تهدف إلى تعريتهم من الشرعية والقدسية، وقد نجحت في ذلك أكبر نجاح أيضاً.
لاحظوا لماذا الزهراء (عليها السلام) لم تذهب - عندما طلب منها الشهود - إلى أبي ذر والمقداد وعمار، بل ذهبت إلى أمير المؤمنين والحسن والحسين، فقد كان بإمكانها أن تذهب إلى سلمان ولا شك أنها لو طلبت من سلمان ذلك لجاء إليها سلمان، ذهبت إلى أمير المؤمنين حتى يظنوا أنه يجر النار إلى قرصه، لماذا؟.
لأن الزهراء لا تريد فدك، بل تريد أن تعري هؤلاء من الشرعية، وتعرف أيضاً أنها لو ذهبت إلى سلمان وأبي ذر وغيرهما، لاشك أنهم سيشككون فيهم أيضاً إنهم لا يمانعون التشكيك في أي شخص آخر، هذا ما كانت الزهراء (عليها السلام) تعرفه جيداً، فإن كانت تذهب إلى سلمان وأبي ذر فإنهم كانوا سيشككون بهما، وهذا لن يضرهما، ولكنها ذهبت إلى علي (عليه السلام) الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق مع علي حيثما دار) فالتشكيك بعلي (عليه السلام) يعني التشكيك برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتشكيك برسول الله يعني التشكيك بالله وهو الكفر، وقد خرج هذا الشخص من فرقة الإسلام، وهكذا بالنسبة إلى الإمام الحسن والحسين الذين قال فيهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) فتكذيب الحسن تكذيب لرسول الله وتكذيب رسول الله تكذيب لله عز وجل وهو الكفر.
وهكذا تمكنت الزهراء (عليها السلام) من تعريتهم من شرعيتهم المزعومة، فالزهراء لا تريد فدك، بل تريد أن تبين للأجيال إلى يوم القيامة أن هؤلاء حالهم حال كثير من الحكام الظالمين، ليست لهم شرعية إطلاقاً، لا يمثلون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يمثلون القرآن الكريم وإنما يخالفون رسول الله ويخالفون القرآن الكريم، هذا ما كانت ترمي إليه الزهراء وقد نجحت في ذلك أكبر نجاح. ولهذا شواهد كثيرة جداً لا أريد أن أطيل عليكم، هذا بالنسبة إلى الجانب الأول وأما بالنسبة إلى الجانب الثاني لماذا لم يطالب أمير المؤمنين (عليه السلام) بفدك، الأجوبة كثيرة وعديدة نشير إلى نماذج منها:
أولاً: قلنا إن الزهراء (عليها السلام) كانت تقصد من وراء مطالبتها بفدك أن تحافظ على حياة أمير المؤمنين، فلو كان الأمير يطالب بفدك أيضاً لكان ذلك يعني أن كل أعمال الزهراء (عليها السلام) ذهبت هباءً، وكل أتعابها ودمها الطاهر ذهب من دون نتيجة، هذه خطة رسمها لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في الأحاديث، فأعطاهم خطة عمل إلى آخر حياتهم، فلو كان أمير المؤمنين يندفع باندفاع العاطفة المحضة فإنه كان في الواقع يخرب كل الخطة الإلهية التي رسمتها السماء لهما، هذا أولاً.
ثانياً: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان هو الطالب بشيء أعظم من فدك، كان هو صاحب الحق الشرعي في الخلافة، التي قلنا بأن فدك كانت معبراً وطريقاً للوصول إلى الخلافة، إلى المطالبة بالخلافة، فأمير المؤمنين هو صاحب الحق الشرعي، فالخلافة هي النتيجة لفدك، فلو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يصر ويصب كل طاقاته في المطالبة بفدك فإنه كان يضيع الأساس، وهي المطالبة بالخلافة، هذا ثانياً.
وثالثاً: إن القول بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يطالب بفدك هذا قول بعيد عن الواقع، وهذا قول من لم يرجع إلى التاريخ بل أمير المؤمنين طالب بفدك بمقدار ما لم يخالف مع أهدافه الأخرى ولم يتناقض مع أهداف الزهراء، فقد طالب أمير المؤمنين بفدك ودافع عن حق الزهراء (عليها السلام).
أذكر لكم نموذجين من مطالبة أمير المؤمنين بفدك:
أولاً: عندما بلغ أمير المؤمنين غصب فدك كتب كتاباً إلى أبي بكر وما أعظمه من كتاب، اذكر لكم نص هذه الرسالة التي بعثها أمير المؤمنين إلى أبي بكر، فلاحظوا ما أعظم هذه الرسالة وأقواها:
(شقوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر واستضاءوا بنور الأنوار واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار واحتقبوا ثقل الأوزار بغصبهم نحلة النبي المختار، فكأني بكم تترددون في العمى كما يتردد البعير في الطاحون، أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحد القصيد بقوابض من حديد ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح بكم آماقكم وأوحش بكم محالكم فإني مرد ومفني الجحافل ومبيد خضرائكم ضوضائكم وجرار الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، وإني لصاحبكم بالأمس لعمر أبي وأمي لن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة وأنتم تذكرون أحقار بدر وثارات أحد، أما والله لو قلت ما سبق من الله فيكم لتداخلتكم أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوارة الرحى، فإن نطقت يقولون حسداً وإن سكت فيقال ابن أبي طالب جزع من الموت، هيهات هيهات الساعة يقال وأنا وخواب المنايا في جوف الليل الحالك، حامل السيفين الثقيلين والرمحين الطويلين، ومنكس الرايات في الغمرات ومفرج الكربات عن وجه خير البريات، فوالله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمه، هبلتكم الهوابل لو بحت بما أنزل الله سبحان في كتابه فيكم لاضطربتم اضطراب الأريشة ولخرجتم من بيوتكم هائمين، ولكني أهون وجدي حتى ألقى ربي بيد جذاء صفراء من لذاتكم، خلوا من طحناتكم فما مثل دنياكم عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى ثم استغلط فاستوى ثم تمزق فانجلى فويل عن قليل ينجلي لكم القسطل وتجنون ثمر فعلكم مراً وتحصدون غرس أيديكم زعافاً منقراً وسماً قاتلا وكفى بالله حكيما وبرسول الله خصيما وبالقيامة موقفا ألا أبعد الله فيها سواكم ولا أتعس فيها غيركم والسلام على من اتبع الهدى).
فلما قرأ أبو بكر الكتاب رعب من ذلك رعباً شديدا، وقال يا سبحان الله ما أجرأه علي وأنكله عن غيري معاشر المهاجرين والأنصار وقال تعلمون أني شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول الله - وهو القائل - فقلتم: أن لا إرث للأنبياء والرسول وإن هذه أموال تصرف في القراع والسلاح، وهو - يعني أمير المؤمنين - إذ يرعب تكذيباً إيلاء بحق محمد (صلى الله عليه وآله) أن ينضحها دماً رعافا والله لو استقلت منها فلم أقل واستعزمتها عن نفس فلم أعزل كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب وهرباً من نزاعه ما لي وابن أبي طالب فهل نازعه احد فخرج علي.
فقال له عمر: أبيت أن تقول إلا هكذا فأنت ابن من ؟؟ سبحان الله ما أهلع فؤادك وأصغر نفسك، قد صفت لك سجالاً لتشربها فأبيت إلا أن تظمأ وأنخت لك رقاب العرب وثبت لك الإشارة والتبذير ولولا ذلك، لكان ابن أبي طالب قد صير عظامك رميماً، فاحمد الله واشكرني على ذلك. وهذا علي ابن أبي طالب قتل سادات قريش فأبادهم وأنزل آخرهم العار، ففضحهم فطب عن نفسك نفساً ولا تغرن صواعقه ولا يهولنك رواعبه وبوارقه فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك، فقال له أبو بكر: ناشدتك الله يا عمر لما أن تركتني من أهاريطك وتربيدك فوالله لو هم ابن أبي طالب بقتلي وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث:
أحدها أنه وحيد ولا ناصر له، والثاني إنه ينتهج فينا وصية رسول الله، والثالث أنه ما من هذه القبائل أحد إلا وهو يقظمه كتقظم ثنية الإبل أوان الريبع فتعلم لولا ذلك رجع الأمر إلي وإن كنا له كارهون أما أن هذه الدنيا أهون إليه من لقاء أحدنا للموت أنسيت له يوم أحد ثم ذكر بطولات أمير المؤمنين يوم أحد، ثم ذكر تفصيل بيان أمير المؤمنين ماذا صنع في أحد وبدر، ثم قال: ولا يغرنك يا عمر أنه يقتله فإنه لا يجسر على ذلك ولو رام لكان أول مقتول بيده، فإنه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا هيبوا وإذا غضبوا أدموا ولا سيما علي بن أبي طالب نابها الأكبر وسنامها الأكبر وهامتها الأعظم.
فأمير المؤمنين (عليه السلام) دافع عن حق الزهراء وهددهم فيما لو أذن له لحصد رؤوسهم، وصنع صنائع كثيرة في الدفاع عن حقوق الزهراء بما لم يتناف مع خططه وخططها (عليهما السلام).
هناك موارد كثيرة في هذا المجال أعرضنا عنها لانتهاء الوقت.
نسأل الله سبحانه وتعالى بحق الزهراء أن يجعلنا من المدافعين بحق الزهراء، ونسأل الله بحق أمير المؤمنين أن نقتدي بأمير المؤمنين (عليه السلام) بالدفاع عن الزهراء.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.